الأحد، 20 يناير 2013

بديل الإبادة الجماعية للمسيحيين فى مصر


من معجزات المسيحية فى مصر بقاءها فى مصر بعد عصور الإضطهاد الرومانى ومعايشة التخلف البدائى والتمييز العنصرى الدينى على مر العصور حتى يومنا هذا. 
وكانت هذه المعجزة مثار إعجاب لدى الباحثين الذين وجدوا فى هذه الإستمرارية ما يثير إعجابهم بإستمرار هذا الولاء وهذا الإبقاء على وجود الفكر المسيحى عند المسيحيين فى مصرنا المحروسه ومن بين هؤلاء كان الدكتور جون جاك لوريمر عند تدوينه لتاريخ الكنيسة المصرية  .
وعلى الجانب الآخر كانت وجهة نظر غير المسيحيين لسر إستمرارية المسيحية فى مصر ، فمن هؤلاء من لم يلتفت إلى هذه الظاهرة ولم يُشغِل باله بالتفكير فيها أو فى أسبابها وهم الغالبية العظمى من أبناء شعبنا .
ومن هؤلاء من توقف متسائلآ عن الأسباب فقاده البحث فى جذورها للتوصل إلى نتيجة تتقارب إلى حد بعيد مع ما توصل إليه الباحثون من  الأجانب وبالتالى زادت لديهم مساحة التعاطف الفكرى مع هؤلاء المسيحيين .
ولكن مقابل هؤلاء كان الذين لا يسمحون لعمل العقل ، لأنهم فضلوا أسلوب النقل ، فهم إستراحوا لتشكيل قناعاتهم الفكرية ليست من خلال ما تتوصل إليه عقولهم ، ولكن من خلال ما يوجههم به آخرون من قادة للجماعات أو للعصابات فقد توسم هؤلاء السذج فى تلك القيادات حكمة وبحثآ ودراسة لا وجود لها فى الواقع الفعلى ، لأن منطلقات تفكيرهم قبَليَة بدائية تعتد بفكر القبيلة والعشيرة دون التفكير فى الوطن والنفع العام وصلاح وصلاحية الفرد للحياة وسط هذا المجتمع الذى من المفروض أن يحتكم للقانون أو لمبادىء القانون العام .
وبالتالى كانت نتيجة تفكير تلك القيادات لهذه الجماعات هى اللجوء لمنطق العشيرة والقبيلة البدائية التى تقضى بأن حياة القبيلة ورفاهها ورفاهيتها هو مرهون بإبادة من يشاركها فى التمتع بالحياة وبموارد البيئة التى تعيش القبيلة فى وسطها ، أى منع الآخر من التمتع بأى ثمرة للإستقرار فى هذه البقعة من الأرض لتحقيق حلم الإسئثار بكل الموارد لصالح أبناء القبيلة .
والنتيجة هى ما نراه اليوم من محاولات جاده لإستخدام العِرض والشرف كوسيلة من وسائل الضغط النفسى والمجتمعى على المسيحيين فى مصر لكى ينتج عن هذا الضغط أمرآ من إثنين :
١ - الصراع المسلح بين الفريق المسيحى والفريق الغير المسيحى والذى يحسبون حسابه كمثيرين لهذا الصراع بناء على حساب الكثرة العددية لغير المسيحيين وتوافر التسليح لديهم وزيادة مساحة التعاطف معهم ولا سيما من بعض المغرضين سياسيآ وإعلاميآ لأنه يحقق لهم مكاسب تنتج عن زيادة شعبيتهم ولا سيما بين هذه الكثرة العددية
٢ - النهجير القسرى للمسيحيين والذى يتيح للمعتدين التمتع بالإستيلاء على أصول ثروات المطرودين المادية وإزاحتهم من حلبة المنافسة الشريفة لكى يتفرغوا لإزاحة آخرين من غير المسيحيين حتى تكون الريادة والسيادة والتملك موقوف على تلك الجماعة فى حدودها الضيقة التى تضيق يومآ فيومآ حتى تكون حكرآ على الخليفة وبطانته الذين قاموا بتوجيه أفكارهم ونشاطهم الهدام من الوهلة الأولى .
وإختيارهم للعِرض كوسيلة لنيل مآربهم النكراء يمارسونه على المسيحيين بإتهامهم كجناة مثلا كما فى أحداث قرية صول بإطفيح ومن قبلها نجع حمادى وأبوتشت وفرشوط وديروط وحتى بإدعاء ما لا يقبله العقل وما أثبت الفحص الطبى كذبه مثل قصة طفلة قرية المراشدة وإليكم التقرير
http://today.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=368030&IssueID=2751 بخصوص التقرير الطبى لفتاة المراشده
وأحيانآ يكون إستخدام العِرض وسيلة لتشويههم كمجنى عليهم غير قادرين على رد الإعتداء الذين يصدر من غيرهم مثل ظاهرة إختطاف الفتيات والسيدات الأقباط
http://adenalghad.net/news/35529/ خطف الفتيات القبطيات
وبين حجرى الرحى لا زال المجتمع المسيحى يعيش ، والسر فى إستمرارية بقائه وعدم تبنيه العنف هو تعاليم المسيح الذى يؤمنون به 
٣٨ «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. ٣٩ وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. ٤٠ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. ٤١ وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. ٤٢ مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ.
٤٣ «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. ٤٤ وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، ٤٥ لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. ٤٦ لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ ٤٧ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟ ٤٨ فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ.
وأما بالنسبة للتهجير القسرى فقد تحضر الإنسان ، ولم يصبح الإنسان اليوم يحيا فى عصر القبائل البدائية ، فتناول الحديث عن تلك الممارسات صار مجرد تاريخ مضى ، والسلوك الذى كان يمارسه البشر فى هذا التاريخ القديم كانت له آليات وأسباب وقدمات ونتائج ، لم تعُد صالحة اليوم ، بل صار وجودها منعدمآ ، فقد صار هناك شىء إسمه حقوق الإنسان ، ومبادىء هذه الحقوق ينادى بها الجميع من المسيحيين وغير المسيحيين ، فى كل مكان فى العالم ، لأنه حيثما وجدت أكثرية تنتمى لدين معين فى مكان ما من العالم تمارس مثل هذه الضغوط ، فإن لأتباع نفس هذا الدين أقلية فى مكان آخر من عالمنا ، لا يرضى المثقفون من أتباع هذا الفكر أن تُمارس عليها الأكثرية هناك التى تغربت الأقلية لتعيش داخلها مثل هذه الضغوط .
ولا زلنا نثق فى قدرة الله وحكمته وصبره على كل البشر فى سبيل الرقى الفكرى والثقافى لأولئك الذين ينتهجون هذا الطور المتخلف فى التفكير .

د.ق.جوزيف المنشاوى 



الثلاثاء، 15 يناير 2013

عفريت الكشح هو القاتل

عفريت الكشح هو الذى قتل المواطنين فى موقعة الجمل 
فإرهاب الإسلام السياسى هو القاتل بمساعدة غباء المعالجة الأمنيه 
لقد كان الهاجس الرئيسى الذى حاول نظام الأمن فى عصر مبارك أن يخلص الأمة منه ، هو الرغبة فى الإستقرار والبعد عن الفتن الطائفية التى كان يحاول إشعالها من حين لآخر نفر من المتشددين من التيار الإسلامى ، وربما أسهم الإستنكار لدى جميع الأقباط عقب كل محاولة من تلك المحاولات ، والتى كان يذهب نتيجة لها بعض الضحايا من أقباط ومن يتواجد بالمصادفة فى طريق الجناة من المسلمين ، وما ينجم عنها من ردة فعل لدى المجنى عليهم أثناء دفاعهم المشروع عن أنفسهم ، هذا الإستنكار والإلحاح فى حسم هذه الأحداث قد أسهم إلى جانب القصور والفشل إلى درجة الغباء فى حسم تلك الأحداث وفهم أهدافها الحقيقية والتعامل معها بإسلوب أمثل مما أدى فى النهاية لأحداث كنيسة القديسين وحرق الأقسام وتحطيم السجون وقتل الثوار 
فقد كانت كل تلك الأحداث التى فهمها المجتمع والسلطة على أساس أن سببها الظاهرى هو التعصب الدينى وكان هدفها إحراج السلطة وفهم رجال السلطة هذا ولكنهم لم يتفهموا أن السبب الخفى كان هو تجربة ممارسة العنف على فئات قليلة العدد خالية من التسليح حتى يشتد عودهم ليمارسوه على الفئات الكاملة التسليح والمتمتعة بالسلطة ( ليس بهدف طائفى حقيقى ولكن لهدف تكتيكى ). 
فهم السلطة لنوايا وأهداف الإرهابيين جزئيآ ولم يتوقعوا إحتمال حدوث هذا التصعيد ، وهو الذى دعا الساسة فى ذلك الوقت لتعمد بطء الإجراءات كمحاولة لإمتصاص الغضب الشعبى لدى المجنى عليهم ثم على الجانب الآخر تعمد طمس الأدلة على إرتكاب الجرم لإتقاء غضب تلك التيارات على السلطة التنفيذية ، والظهور فى ذات الوقت بمظهر مشرف بإنكار وجود أى توجه إرهابى ، مثلآ إظهار أن هذه الحادثة هى مجرد خلاف بين مواطنين على تملك قطعة من أرض أو ثورة بعضهم من أجل سمعتهم بسبب إشاعة تمس شرفهم ، أو أو أو وهى سياسة دفن رأس النعامة فى الرمال . 
وكانت تلك هى خطيئة ذلك النظام التى أدت لهدمه تمامآ 
فلم يفطن الأمن لفكرة محاولة إحراج السلطات وهى الهدف الرئيسى لتلك الجنايات ، ولم يقم الأمن بتحليلها ولم يكن يتصور تتطور إحتمالات تغير توجهها العدوانى ليكون موجهآ ليس إلى الأقباط فقط ولكن لكل أبناء الشعب من أجل رفع كمية الحرج الذى ينتج عن هذا التصعيد من جانب الجناة 
فقد أثبتت أحداث ما أطلقوا عليه إسم ثوره أن ذلك العنف من تلك الجماعات عينها صار موجهآ ضد الجماعات المتجمهرة مسلمين كانوا أم أقباطآ ، لأن كل ما قاموا به لإحراج السلطات تخلصت منه الدولة بمكر غطى على أهدافهم التى كانت ترمى للوصول بالسلطة للإعتراف بعدم قدرتها على تهيئة الأمن للمواطنين 
والدليل على ذلك هو تزايد تلك المحاولات فى فترات خوف تلك الإتجاهات من إمكانية فرار السلطة من أيديهم وهذا هو ما فهمه المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى موضوع كنيسة صول بالصف وكنيسة إمبابة وكنيسة الماريناب أثناء الخريف الثورى 
وهذا ما نفهمه من أحداث الإتحادية 1 ، 2 ومحمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو وموقعة الجمل .......ألخ ألخ 
إنها إذآ توجهات لعصابة تسعى لإحراج السلطة عندما لا تكون فى أيديهم وفرض الأمر الواقع عندما تؤول السلطة لهم 
فلا يقولن قائل فلول ومبارك والعادلى والشرطة والعسكر والبلطجية إلى آخر تلك الشخصيات والمسميات التى يتهمها هؤلاء ويروجون لهذه الإتهامات حتى يظل المواطن كما كانت السلطة فى أيام مبارك غير مدرك لنوايا هؤلاء
د.ق.جوزيف المنشاوى 


الثلاثاء، 8 يناير 2013

يحدث فى وطن ينام

فى مجتمع النيام كل شىء وارد ، فالأحلام الوردية تنساب لمخيلة النائم ، إنها أحلام الربيع ، الربيع الربيع مع أنه خريف خاوى ، بينما تنتاب البعض كوابيس بغيضه ، ولكن يمشى فى طرقات المدينة بعض المتيقظين .
من اليقظى لصوص يجمعون كل ما يصل إلى أيديهم ، ويحلمون ولكن بيقظة أكثر من أصحاب المنازل النيام ، وأول منازل هؤلاء النيام ، منزل السيد قانون ، وكل إهتمام اللصوص أن يجمعوا كل كل كل شىء ، حتى التمر ونواته ، يجرفون الكل ما عداهم كإعصار مدمر يكنس الشوارع والطرقات ..... بينما الناس نيام.
ومن اليقظى من إحترف السهر فى حانات لمعاقرة الخمر ، وبناء أوهام السكارى ، إمبراطوريات من القش ، كل واحد منهم هو عبارة عن  دون كيشوت ذاته ، ولا يزال يحارب طواحين الهواء ، لا أحد منهم يمشى فى الطرقات مستيقظآ ليضبط بحق لص من اللصوص ، أو حتى يستعيد بعضآ مما يسرقون ، ومع ذلك يرون أنفسهم ، أنهم يفعلون ذلك فعلآ ، ولكن ذلك لا يحدث إلا فيما يرى النائم فى حلمه.
والذى تمكن من نصف إفاقة من تلك الخمر اللعينة يصرخ ويستغيث بالسيد قانون ، وهو لا يعلم أن هذا المذكور هو أول أولئك النومى.
وتمر السنوات الأربع والكل نيام ، وعندما سيستيقظون ، سيشعرون بالأغلال فى رقابهم وفى إحدى سيقانهم ، يساقون إلى سوق النخاسة ، والبائع لص ، والمشترى لص ، والحق ثابت فى عُرفِ اللصوص ، فقد كانوا يعملون بجد وإجتهاد فى الظاهر وفى الباطن ، بينما المرشحون للعبودية قبضوا ثمن عبوديتهم ، نوم وسبات لم يتمتع به الملوك .
ماذا يفيدهم عندما يرون فيما يرى النائم ثورة هادره.
وحتى لو مشى النائم إلى ميدان التحرير، فالوقت الذى سيستغرقه للذهاب هناك ، يكون فرصة سانحة للصوص ، لكى يتمكنوا من تنقيب حتى موضع رقدته ، حتى يعود فيجد موضعه خاويآ حتى من سرير ، ويجد مكانه بين الساهرين وقد صار محتلآ بقطة رقطاء.
واللص حين سرق إطمئن أولآ على نوم السيد قانون ، لأنه هو الفاعل المتسلط وهذا هو جرس الإنذار .
د.ق.جوزيف المنشاوى 

الجمعة، 4 يناير 2013

العلاقة بين السلطة الزمنية السياسية ومنصب البطريرك

مارمرقس ومن براعة الرسام أنه قام برسمه خارج أسوار الكاتدرائية وكان يقصد ترسيخ أصول الخلافة المرقسية لكنه بدون قصد صار مارمرقس خارج الكاتدرائية بملابسه اليهودية السكندرية كمواطن عادى بسيط لم ينل ما يناله خلفاءوه - لو جاز هذا التعبير - من مجد وسلطان 
العلاقة بين السلطة الزمنية ونشأة منصب البطريرك
عندما أراد اليهود أن يُنَّصِبوا المسيح ملكآ عليهم جاز من وسطهم ومضى وأُعميَت أعينهم عن متابعته ويقول أيضآ فى الأنجيل بحسب يوحنا أصحاح 6 : 15 " وأما يسوع فأذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكآ إنصرف إلى الجبل وحده "
وقد دافع المسيح عن نفسه أمام بيلاطس البنطى الحاكم الرومانى آنذاك فى الأنجيل بحـسب البشير يوحنا الأصحاح 18 عدد 36 " أجاب يسوع مملكتى ليست من هذا العالم.لو كانت مملكتى من هذا العالم لكان خدامى يجاهدون لكى لا أسلم إلى اليهود . ولكن الآن مملكتى ليست من هذا العالم "

ومع أن هذا الموقف الذى إتخذته المسيحية فى تساميها وتعففها عن السعى للسلطة الدنـيوية ، إلا أن السلطة الدنيوية لم تكن بعيدة عن التأثير فى المجتمع المسيحى ذاته بل وتأثر بها الساســة أنفسهم فقد وصلت المسيحية لأفراد ينتمون للطبقة العليا من الأغنياء والسادة فى المجتمع الرومانى ففى عام 57 م عندما كتب بولس الرسول رسالته إلى روميه
1
كانت السيدة " بومــبنيا جريكينا"2 وهى زوجة أولوس بلاوتيوس 3وهو حاكم بريتين4 وهو الذى ضم المقاطـعة التى كان يحكمها للإمبراطوريه الرومانيه عام 43 م ، كانت هذه السيدة غير قادرة على القيام بعبء إدارة شئون بلاطها أى قصرها الملكى بكل ما فيه من مهام فعهدت بهذه المهمة لسيدة أجنبية وكانت هذه السيدة الوافدة مسيحية مؤمنة ، وكان فى ذلك الوقت ينظر الرومان للمسيحية بنـظرة دونية معتقدين أنها خرافة شرقية مثيرة للإشمئزاز 5 ولننظر مثلآ ما قاله جوفينال 6 بعد ذلك بنحو 60 سته ، إن الحاكم ( ويقصد أولوس) كان يصرف المجارى والقاذورات الخاصـة بأورنتوس 7 (وهو اسم المدينة التى كان يقطنها غالبية المسيحيون ) فى نهر التيبر ( ويقصـد أنه كان يشجعهم على الإنتشار بإسلوب ملكى) ومن الواضح أنه كان يقصد بالمجارى والقاذورات : الفكر المسيحى من وجهة نظره ، ومثل هذا النص يشير إلى ملاحظة النبلاء لمدى التغير الــذى كان يحدث داخل قصر الحاكم بالتعاطف مع الفكر المسيحى الذى يأتى من داخل قصر الحاكم مما يؤدى لإنتشارها .
 وليس بعيد عن الذكر ما أرسله الرسول بولس من تحيات للذين فى بيت قيصر .
وبداية من عصر قسطنطين الملك وهو ابن الملكة هيلانة المسيحية التى بفضلها تم إنشاء الــعديد من الكنائس بفلسطين وعلى رأس تلك الكنائس كنيسة القيامة ، وكذلك دير سانت كاترين ( فيـــما يقوله الأب متى المسكين فى كتابه: الكنيسة والدولة) بدأت الكنيسة تلتجىء للملوك لتستمد منـهم السلطان ليستصدروا منهم مراسيم ملكية بإقرار الإيمان المسيحى ولكن على قدر نجاح الكنـــيسة فى الحصول على هذا السلطان على قدر الفشل فى حد ذاته الذى أصاب بنية الإيمان نفـسه والمؤمنين به .
فلقد تملق رجال الكنيسة السلطات ، للإنتصار على مناوئيهم ودحرهم فى أكثر من واقـعة من وقائع التاريخ وبذلك سمح رجال الكنيسة لسيف السلطان أن يتدخل لحسم أمور من المفروض أنها أساسآ روحيه فكريه عقيديه لا علاقة لها بالسياسة أو الحكم أو النظام الحاكم .
وكانت البداية من عصر قسطنطين الملك  فى القرن الرابع الميلادى عندما ساد تصوره بأنه قــــد تولى حماية الإيمان بوصفه حاكم إسرائيل ( شعب الله التقليدى) الأول ، وسيأتى الحديـث عنه لاحقآ ، وجاء بعده الملك ثيئودوسيوس ليأمر بهدم معابد الوثنيين بقوة العسكر كأيام ملوك بنى إسرائيل الأولى فكان ذلك العهد بمثابة رِدَةَ حضاريه وروحية وفكرية فى تاريخ الكنيسة للـعودة لفكرة الدولة الثيؤقراطية فى العهد القديم .
ولم يكتفِ ثيؤدوروس بذلك بل أصدر عام 391 م أوامره بإحراق مكتبة الإسكندرية بسـبب ما إعتقده بأنها تحتوى على الأفكار والفلسفات والمؤلفات التى تخالف العقيدة المـسيحية التى صارت فى عهده هى الديانة الرسمية للدولة.
وقد سبق ذلك بعام 390 م عندما أصدر أوامره بنقل مسلة تحتمس الثالث التى كانت منتــــــصبة جوار معبد الكرنك فى طيبة إلى القسطنطينية وذلك بتقطيعها لثلاثة أجزاء ثم إعادة تركيــــبها ولا تزال هناك حتى الآن ( بعد تغير إسم القسطنطينية إلى إسلام بول ثم إلى إستانبول) .
كما أصدر عام 393 م قرارآ ديكتاتوريآ بإلغاء الألعاب الأوليمبية بإعتبارها مهرجانات وثنـــية لا تليق بالإمبراطورية الرومانية المسيحية .

ولكنه بالرغم من نهاية هذا العصر القسطنطينى والثيئودورى وغيره من عصور أذكت فى رجال الكنيسة تطلعهم للسلطة أو محاولة الوصول لتحالف بين السلطة المدنية والسلطة الدينية قوامها تبادل المنافع ، فالكنيسة تدفع الناس نحو الولاء للملك نظير تسهيلات يمنحها الملوك لتثـبيت مكانة هؤلاء على رأس شعبهم ومساعدتهم فى التغلب على معارضيهم .
بالرغم من إنتهاء هذا العهد إلا أن رجال الكنيسة ظلوا يتطلعون منتظرين من الحكام أن يحـصلوا منهم على مثل هذا القدر من التحالف بعد نهاية العصر الرومانى وحتى بعد الغزو الإسلامى.
والجدير بالذكر أن منصب البطريرك لم يكن قد تم إقراره بصفة رسمية إلا أثناء ذلك العصر ، فلم تكن هناك رتبة فى الكنيسة أعلى من رتية الأسقف ولم يتميز من بين هؤلاء سوى أسقف العاصمة بإعتباره الأسقف الأول ولم يطلق عليه أحد لقب بطريرك وكان أول من أطلق عــليه هذا اللقب هو أثناسيوس الرسولى 325 م بين أساقفة الإسكندرية ، وهو الذى أرخ لتاريخ سالفيه من أساقفة الإسكندرية بإعتبارهم بطاركه .
فالعلاقة بين السلطة المدنية وبين منصب البطريرك واضحة لأنه من الظاهر أنه لولا دور الـــملك قسطنطين ما كان لأثناسيوس أن يحظى بهذا القدر من السلطة والإستحواذ وإتخاذ هذا اللــقب هو وغيره من أساقفة أوائل أسوة بنظيرهم أسقف أنطاكية.
أما بخصوص نشأة التسمية ، فإنه من المعروف أن الكنيسة المسيحية ( وأعنى بها عموم الأفراد الذين أمنوا بالمسيحية ) قد أطلق عليهم المجتمع اليهودى فى الشتات إسم كنيسة أولآ ، راجـــــع أعمال الرسل  11 : 26
فَحَدَثَ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي الْكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً وَعَلَّمَا جَمْعًا غَفِيرًا. وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ «مَسـِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً .
وكان من المعروف أن رئيس الجالية اليهودية فى أنطاكية كانت تطلق عليه الجالية لقب بطـريرك وهى كلمة يونانية تعنى "أب رئيس"
8
(بطريأرخيس) وقد وردت هذه التسمية فى العهد الـجديد أربع مرات فى أعمال الرسل 2 : 29 " رئيس الآباء داود" ، وفى أعمال الرسل 7 : 8 " رؤساء الآباء الإثنى عشر" مقصود بهم رؤساء الأسباط ، وفى أعمال الرسل 7 : 9 رؤساء الآباء حسدوا يوسف" ومقصود بها كذلك رؤساء الأسباط ، وفى الرسالة إلى العبرانيين 7 : 4 " أعطاه إبراهيم رئيس الآباء" .
 فكان هذا اللقب بالتالى من نصيب كبير المسيحيين( الأسقف) فى
9
أنطاكية بعد إنتشار المسـيحية بين أبناء هذه الجالية وغلبتهم العددية التى تلاشى معها الوجود اليهودى ، وفى الواقع فإن الجالية اليهودية هى التى إحتضنت نشأة الكنيسة هناك ولقب بطريرك والبطاركة هو لقب مـعتاد لطالب الدراسة فى العهد القديم عند الحديث عن الآباء الأوائل لشعب بنى إسرائيل مثل إبراهـيم وإسحق ويعقوب فقد درج اليهود على تسميتهم بإسم الآباء البطاركة ومن هنا كان هذا اللقب هو اللقب المفضل والمعتاد فى الثقافة اليهودية التى إختصت بها كنيسة أنطاكيه بوصفها هى ثــــقافة الجالية اليهودية التى تحولت للمسيحية.
ويتضح من رسالة كتبها بطرس الثالث أن بطريرك الكنيسة فى أنطاكية كان بمفرده بين سـائر الأساقفة المسيحيين فى كل مكان فى العالم هو الذى يختص بهذا اللقب دون غيره بينما كان سائر رؤساء الكنائس يحملون لقب أسقف أول أو كبير الأساقفه .
ولكن بقبول قسطنطين 272 م- 337 م الإيمان المسيحى كان أسقف روما مُمَيَزآ بأنه أسقف يرأس الكنيسة التى يكون فيها الإمبراطور فردآ فيها لذلك أطلق على نفسه لقب البابا وبالرغم من كون قسطنطين قد دعا إلى إنعقاد مجمع نيقية وقام بحضوره بنفسه ، وأنه كان صديقآ ليوسابيوس القيصرى المؤرخ المسيحى وأن والدته هى القديسة هيلانه وأنه أصدر مرسوم ميلانو عام 313 م لإلغاء العقوبات المفروضة على كل من يتعنق الديانة المسيحية ، وأنه قام بهدم كافة المعابد الوثنية فى بيزنطة ، ونقل إليها عاصمة الإمبراطورية الموحدة عام 324 م إلا أنه لم يعتمد ويصير مسيحيآ بشكل كامل إلا فى العام الأخير من حياته أى عام 337 م.
وفى نفس الوقت أطلقت كنيسة الإسكندرية على أسقفها الأول أثناسيوس هذا اللقب ، فقد كــــانت المنافسة بين الكنيستين على الريادة على أشدها حتى أسفر هذا التنافس على الخلاف فى مجـــمع خلقدونية عام 451 م من بعد وإنشطار الكنيسة إلى شطرين كنيسة غربية برئاسة بابا روما وكنيسة الإسكندرية بقيادة بابا الإسكندريه وبدأت المجامع المسكونية من مجمع نيقية فى منح لقب بطريرك للأساقفة الكبار رؤساء الكنائس الخمس وهى أنطاكيه ، الإسكندريه ، روما ، القسطنطينية ، القدس ، بعد أن كان يختص بها رئيس الكنيسة الأنطاكيه بسبب ظروفها السياسية والثقافيه.
لكن فى وسط خضم هذه التغيرات التاريخية التى منحت رؤساء الكنائس هذه الألقاب
1-  لم يتـــــوقف هؤلاء برهة ليعودوا للكلمة المقدسة أو يستعينوا بقكر الكتاب عند إقدامهم على تقبل هذه الألقاب بينما كانوا يلجأون للكتاب لدحر أفكار مقاوميهم مثل أريوس وأوطاخى وناسطور وغيرهم ، وبذلك كانت هذه الخطوة فى غيبة من النقاش الفكرى أو العقائدى أو الكتابى المنهجى على خلاف ما كان من المفروض عليهم إتباعه.
2- أنه بالرغم من إعتداد هؤلاء حاليآ بتاريخ الكنيسة وفكر الأباء لكنهم لم يتوقفوا للبـحث عن منبت وأساس ذلك اللقب.

-------------
1-
F.F.Bruce,The Epistle of Paul to the Romans" .Grand Rapids,Michigan,p16.
2- Pomponia Greecina
3- Aulus Plautius
4-
Britain
5-
disgusting Oriental Superstition
6- 
Juvenal
7-
Orentes
8- πατριαρχης
9- أسد رستم . "كنيسة مدينة الله أنطاكيه العظمى" ، الجزء الأول ، المكتبة البولسية ، بيروت 1988 ص 405  

د.ق.جوزيف المنشاوى