السبت، 27 أغسطس 2011

نحو حوار دينى رشيد (3) الفرح

فى مجتمعاتنا العربية يرسم الفرد التجهم على ناصية وجهه فى البيت وفى الشارع وفى العمل حتى فى العبادة ، وعندما يتحدث عن الله عز وجل ، تجد أمارات وجهة قد صارت أشد صرامة من ذ ى قبل ، فلوتصادف أن نظر طفل فى عيونه الجاحظة التى تنطق بالشر وبالحنق وبالثأر من أى عدو يتوهمه ، لصرخ الطفل هلعآ من ذلك الذى يتوعد البشرية بالويل والثبور وعظائم الأمور ، حتى لو كان كلامه غير مدرك لعقله الصغير ، وهو يتكلم عن الله ، وربما يذهب هذا الشخص المريض لأبعد من ذلك أظهارآ لساديته أى لرغبته فى أيلام الآخرين ، بأظهار نفسه مهلهلآ ، يرتدى ما يدعو الآخرين على الأكتئاب والضجر ، ويرفع صوته المنفر أو تسجيل الصوت بأصوات هادرة ثاقبة للأذن ، ولسوء طالع هذه الأمة زاد عدد التوك توك الذى يوزع ألوان النشاذ فى الصوت بألحان وأصوات منكرة وموسيقى تشبه طرق الحديد ، لا جمال فيها يشرح القلوب ، ولا مغزى لها سوى نزع الفرح من أفئدة خلق الله .
ويقول الأنجيل عن المسيح فى الأنجيل بحسب مرقس 10 : 13 - 16 "وَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَوْلاَدًا لِكَيْ يَلْمِسَهُمْ. وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ فَانْتَهَرُوا الَّذِينَ قَدَّمُوهُمْ. 14فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ ذلِكَ اغْتَاظَ وَقَالَ لَهُمْ:«دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ. 15اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ». 16فَاحْتَضَنَهُمْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَبَارَكَهُمْ.
لم يكن فظآ غليظ القلب ، بل عندما أنصرفت الجموع من الكبار الذين سمعوا حديثه ، ألتف حوله الأطفال فرحين بحضوره ، فانبرى بعض من حوارييه لطردهم ، جريآ على عادة الشرق بأن الغلظة هى الطريق للهيبة والوقار فقال لهم بكل وداعة " دعوا الأولاد يأتون ألى ، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات " ، " من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله "
لقد كان يريد من الكبار أن يتعلموا كيف يبتسمون مثل الأطفال الذين لا يعبأون بمشاكل وتعقيدات الحياة ، كيف يتمكنون من تبسيط نمط حياتهم كبساطة الأطفال ، لكى تكون للكبار الحياة الأفضل التى لأجلها جاء هو لكى تصير الحياة الأفضل للبشر .
ومن بين المحاذير التى يحذر الكتاب منها المؤمنين أن يهتموا بعدم التشبه بالأشرار الذين هم " بلا حنو بلا رضى  ثالبين عديمى النزاهة شرسين غير محبين للصلاح  تيموثاوس الأولى 3 : 3 ".
والواقع فأن "عدم الرضا" هو سر التعاسة والشقاء الذى ترتسم  تجاعيده على وجوه من يظنون أنه بشراسة وجوهم يعلنون الحق ، مع أنهم بذلك يجعلون الناس تنفر منه وتكرهه .
فهو يتحدث عن الصفات التى يجب أن تتوفر فى المؤمنين فيقول " أما ثمر الروح فهو "محبة"" فرح"" سلام"" طول أناة"" لطف"" صلاح"" وداعة"" تعفف" ضد أمثال هذه ليس ناموس غلاطيه 5 : 22 "
وكان قد سبق فى العدد 19 بنفس الشاهد السابق ليتحدث عن الصفات المرفوضة فيقول "زنى"" عهارة"" نجاسة"" دعارة"" عبادة الأوثان"" سحر"" عداوة"" خصام" "غيرة"" سخط"" تحزب"" شقاق"" بدعة" " حسد"" قتل"" سكر"" بطر" وأمثال هذه التى أسبق فأقول لكم عنها كما سبقت فقلت أيضآ أن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله " وكانت الكنيسة الأولى تطلق على ال17 صفة الأخيرة تلك ، أسم الخطايا المميتة ..

والذى تلاحظه أنه يأتينا بفضيلة واحدة وهى " الفرح "  فى مقابل سبعة خطايا مميتة هى العداوة ، الخصام ، الغيرة ، السخط ، التحزب ، الشقاق ، والبطر هذه الخطايا السبع تستطيع فضيلة "الفرح" من أزالتها من جذورها.
الفرح لا يستطيع الأنسان أن يخلقه لذاته ، ألا أذا تحلى بالقناعة والأقتناع
القناعة بما قسمه الله لك ، وبم تحليت به من صفات خلاقة تجتهد فيها لتنال فرحآ أعظم.
والأقتناع بالأيمان بأن الله قادر على كل شىء وأنه يستطيع أن يعطيك ما تحتاجه فى الحقيقة بحسب تقديره هو .
وقد قال فى أشعياء 61 : 10 - 11 "
فَرَحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ، مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا. 11لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الأَرْضَ تُخْرِجُ نَبَاتَهَا، وَكَمَا أَنَّ الْجَنَّةَ تُنْبِتُ مَزْرُوعَاتِهَا، هكَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ يُنْبِتُ بِرًّا وَتَسْبِيحًا أَمَامَ كُلِّ الأُمَمِ".
كما قال فى فيلبى 4 : 4 - 7 "
اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا. 5لِيَكُنْ حِلْمُكُمْ مَعْرُوفًا عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ. اَلرَّبُّ قَرِيبٌ. 6لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ. 7وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ".
الفرح أذآ هو الفريضة الغائبة عن المجتمع اليوم ، وهو سر الكثير من الأنحطاط العقلى والنفسى الذى أصيب به المجتمع المعاصر ، فقد تجد هرجآ ومرجآ فى مكان ما ، لمن يتمثلون الفرح ، فتجدهم يضحكون ، وترتفع أصوات الضحكات مجلجلة فى الأفاق ، لكنك لو أنعمت النظر ألى وجوههم ، وحركاتهم العصبية فسوف تدرك أن رقصهم أنما هو تلوى من الألم ، يضحكون على أنفسهم ، يتصيدون الفرح ، لكنه بعيد عن شباكهم ، لأن الفرح والرضى والقناعة والأقتناع أبعد ما يكون عن تلك الوجوه التعسة.
فبعدما تنتهى الحفلات وينفض المطبلون والمزمرون يخلو كل واحد منهم ألى نفسه ، فيهاجمه الأكتئاب ، فلم يكن ضحكه فرحآ ولا تصفيقه أشادة بهذا الفرح ولا رقصه تفاعلآ مع هذا الفرح .
لأن قلبه يخلو من الفرح .


د.ق.جوزيف المنشاوى

الأربعاء، 24 أغسطس 2011

نحو حوار دينى رشيد (2) السلام

عندما يشن الناس حروبآ بأسم الدين وينعدم السلام بين الأمم بسبب حمى مريضة أصابت قلوب الناس وعقولهم ، وجعلتهم يضلون سواء السبيل لأعلان وأعلاء الله ، السلام على البشرية ، مما يدعونا لأدراك أن هناك خطأ قاتلآ ، وحمى فتاكة تعصف بسلامة القوى العقلية لدى أفراد الشعوب .
والمفارقة العجيبة فى هذا الأمر ، أن يكون الشرق مهبط الأديان ، هو بؤرة تفشى هذا المرض الفتاك.
هناك فارق بين كلمة المسيحية وكلمة المسيحيون ، فالمسيحية بوصفها مبادىء وفكر وروح تختلف نسبة تغلغلها بين المنتمين لها من فرد لآخر ، شأنها فى ذلك شأن كل الديانات ، والمبادىء الأخلاقية السامية، وهى تعلن بوضوح نوعين من السلام  (1) سلام مع الله فيه سلام مع النفس ويحض على السلام مع الآخر وهوذو قطبين ، أو أتجاهين
(2) سلام مع االبشر يعززه وجود السلام مع الله والسلام مع النفس وهو يعتمد على قطب واحد أو أتجاه واحد أصيل.
                      أولآ :- السلام مع الله
فيقول فى رومية 5 :1فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ
فهو سلام مع الله سبحانه وتعالى ، وهو عبارة عن تلك الحالة من السكينة التى تنتاب النفس نتيجة لراحة الضمير ، والأطمئنان لوجود علاقة قوية مع الله مبنية على الأيمان بمحبته ، وغفرانه ، وعفوه عن العباد .
فهو أذآ له أتجاهين أو قطبين سلام متجه من الله للنفس ، وسلام متجه من النفس نحو العلاقة مع الله ، فكل من الله والأنسان كليهما مرسل ومستقبل للسلام .
 فلقد قالت الملائكة عند ولادة المسيح عليه وبه وفيه السلام " المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة لوقا 2 : 14 ".
فبولادته حل السلام حيث كان يدعو للسلام فى علاقة الأنسان مع ربه .

فها هو يتكلم فى يوحنا 16 : 33 قائلآ "قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ».
 ومن الجلى الواضح فى هذا النص أنه لا يتحدث عن حالة من السلام بوصفه سلام على أرض الواقع المعاش ، وأنما سلام داخلى لا يتأثر بهذا الواقع الذى ليس فيه سلام ، فهو سلام مع الله يوجد فى وجدان المؤمن نحو الله ، ناتج من سلام الضمير ، واليقين بأن مقاصد الله أو أرادته صالحة ومرضية وكاملة ،  فيأتيه السلام من خلال الأيمان به ومنه .
ويقول كذلك فى يوحنا 14 : 27  «سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ.
هو سلام متميز أذآ، يأتى من الله للعبد ، ويخرج من قلب العبد نحو الله فى سكينة للنفس وأطمئنان كامل ، وليس لهذا السلام مثيل فيما تعارف عليه البشر ، هذا السلام الذى يجعل المؤمنين فى حالة من الثقة ، رغم كل الظروف والأحوال .

هذا السلام المتميز لا يمكن أن يشعر به الأشرار كما يقول فى أشعياء 48 : 21 ، 22 "وَلَمْ يَعْطَشُوا فِي الْقِفَارِ الَّتِي سَيَّرَهُمْ فِيهَا. أَجْرَى لَهُمْ مِنَ الصَّخْرِ مَاءً، وَشَقَّ الصَّخْرَ فَفَاضَتِ الْمِيَاهُ. 22لاَ سَلاَمَ، قَالَ الرَّبُّ لِلأَشْرَارِ». هو أذآ أحساس داخلى بالأطمئنان لله ، فهو سلام بالله وفى الله ومن الله وبواسطة الله مما يدعو المؤمن للركون أليه والثقة فيه ، فقد قال كذلك فى أشعياء 43 : 1 ، 2  «لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي. 2إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي الأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ. 
لم يعلم المسيح " عليه السلام " تلك التعاليم كنظرية تفتقر للتطبيق ، بل طبقها عمليآ أمام حوارييه ومريديه فها هو يبادر العسكر الرومان الذين أذاقوه العذاب والجلد والضرب بقوله فى لوقا 23 : 34 "
فَقَالَ يَسُوعُ: «يَاأَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ». وَإِذِ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ اقْتَرَعُوا عَلَيْهَا.
 أن تلك القساوة والكراهية التى واجهه بها البشر لم تستطع أن تنزع منه السلام .

وفى متى8 : 23 - 27 يقول "وَلَمَّا دَخَلَ السَّفِينَةَ تَبِعَهُ تَلاَمِيذُهُ. 24وَإِذَا اضْطِرَابٌ عَظِيمٌ قَدْ حَدَثَ فِي الْبَحْرِ حَتَّى غَطَّتِ الأَمْوَاجُ السَّفِينَةَ، وَكَانَ هُوَ نَائِمًا. 25فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَأَيْقَظُوهُ قَائِلِينَ:«يَا سَيِّدُ، نَجِّنَا فَإِنَّنَا نَهْلِكُ!» 26فَقَالَ لَهُمْ:«مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟» ثُمَّ قَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيَاحَ وَالْبَحْرَ، فَصَارَ هُدُوء عَظِيمٌ. 27فَتَعَجَّبَ النَّاسُ قَائِلِينَ:«أَيُّ إِنْسَانٍ هذَا؟ فَإِنَّ الرِّيَاحَ وَالْبَحْرَ جَمِيعًا تُطِيعُهُ!».
لقد كان ينام قرير العين ، فى سفينة تعذبها الأمواج يتصايح ربابانتها هلعآ وخوفآ .

لأن الأيمان فيه كان سر ذلك السلام فهو سلام مع الله ، يرتد الى الله ركونآ وأتكالآ عليه .السلام مع الله فيه تنعم النفس فى سلام مع النفس نتيجة الرضا ، وينتج عنه العمل الفعال لعمل السلام مع الآخرين .
           ثانيآ :-  السلام مع البشر
هذا السلام هو أحادى القطب أو ذو أتجاه واحد ، فيه يكون المسيحى مطالبآ بعمل السلام مع الآخرين بغض النظر عن رد فعلهم بالقبول أو الرفض ن فقد قال المسيح فى متى 5 : 9 "طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ " . 
فلكى نكون أبناءآ له أى مؤمنين به يجب أن نعمل السلام مع الآخرين ونصنعه ، حتى لو لم نلاقى منهم سلامآ مثلما نفعل نحن فها هو يكمل كلامه فى الآيات 10 ، 11 ، 12 قائلآ :- "طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 11طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. 12اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ.
ففى النص نجد أن رد فعل البشر كان بعدم الأستجابة للسلام بل بالخصام والطرد والتنكيل  ، فحسب المؤمن أن يكون عمله صالحآ لأن أجره على الله ومن الله أما التنكيل فهو فخر ، لأنه يزيد أجر المؤمن بحسبانه مع سائر الأنبياء والمرسلين الذين واجهوا عنت ورفض الناس لرسالتهم المباركة .
 ولذلك يقول فى متى 5 : 38 - 48 "
«سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. 39وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. 40وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. 41وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. 42مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ.

43«سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. 44وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، 45لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. 46لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ 47وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟ 48فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ.
أنه كسر لدائرة العنف ، وتجنبآ لتأجيج الصراع لعنف وعنف مضاد ...ألخ ، وتعلمآ من الله عز وجل الذى يصنع الخير لكل البشر من الأخيار والأشرار.
ألا أن هناك من فهم تعليم المسيح على نحو خاطىء ، وهو القارىء الذى ليست له دراية بتعاليم المسيح عندما يقتطف الكلمة دون أعتداد لمعناها فى النص ، فمنهم من يخطىء فى فهم النص الموجود فى متى 10 : 34 "
لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا " ويظنونها دعوة لحمل السيف ، لكن تعليم المسيح ليس فيه حمل لسيف ، أو رد لأعتداء ، بل تسليم لله وللقانون الوضعى ، فالنص فى موضعه تكتمل صورته من عدد 24 - 42 وهو كما يلى :- 
"«لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنَ الْمُعَلِّمِ، وَلاَ الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ سَيِّدِهِ. 25يَكْفِي التِّلْمِيذَ أَنْ يَكُونَ كَمُعَلِّمِهِ، وَالْعَبْدَ كَسَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدْ لَقَّبُوا رَبَّ الْبَيْتِ بَعْلَزَبُولَ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَهْلَ بَيْتِهِ! 26فَلاَ تَخَافُوهُمْ. لأَنْ لَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ، وَلاَ خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَفَ. 27اَلَّذِي أَقُولُهُ لَكُمْ فِي الظُّلْمَةِ قُولُوهُ فِي النُّورِ، وَالَّذِي تَسْمَعُونَهُ فِي الأُذُنِ نَادُوا بِهِ عَلَى السُّطُوحِ، 28وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ. 29أَلَيْسَ عُصْفُورَانِ يُبَاعَانِ بِفَلْسٍ؟ وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا لاَ يَسْقُطُ عَلَى الأَرْضِ بِدُونِ أَبِيكُمْ. 30وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحَتَّى شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ. 31فَلاَ تَخَافُوا! أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ! 32فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، 33وَلكِنْ مَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.

34«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا. 35فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. 36وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ. 37مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، 38وَمَنْ لاَ يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُني فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي. 39مَنْ وَجَدَ حَيَاتَهُ يُضِيعُهَا، وَمَنْ أَضَاعَ حَيَاتَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا. 40مَنْ يَقْبَلُكُمْ يَقْبَلُنِي، وَمَنْ يَقْبَلُني يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي. 41مَنْ يَقْبَلُ نَبِيًّا بِاسْمِ نَبِيٍّ فَأَجْرَ نَبِيٍّ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَقْبَلُ بَارًّا بِاسْمِ بَارّ فَأَجْرَ بَارّ يَأْخُذُ، 42وَمَنْ سَقَى أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ فَقَطْ بِاسْمِ تِلْمِيذٍ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ».
ويتضح من النص أنه يتحدث عن السيف الذى سيشهره الآخرون فى وجه من يؤمنون به بسبب هذا الأيمان أى بسبب المسيح ، وليس بواسطة المسيحى ، فالمسيحى عليه أن يتوقع جحود الناس وعدم ردهم على السلام بالسلام ، بل بالسيف ، مثلما فعلوا مع المسيح ، فليس العبد أفضل من سيده ، كما يقول فى بداية النص ، فعليه توقع العداء حتى من أقرب الأقربين له ، لكن عليه أن يقابل هذا العداء بالحب وهذا الشر بالسلام .
وها هو ينه ويمنع كبير حوارييه عن أستخدام السيف ، وقد كان بطرس يحمل السيف بصورة طبيعية بحكم عمله ومهنته لمجابهة الضوارى ، وقد أستخدم سيفه أمام المسيح فقطع أذن أحد الذين جاءوا للقبض على المسيح وتعذيبه ، ولكن المسيح بعد شفاءه لتلك الأذن المقطوعة ( وهنا مثال عن رد الأساءة بالأحسان ) وجه حديثه لبطرس على النحو التالى :-
فى متى 26 : 51 - 53 "وَإِذَا وَاحِدٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَ يَسُوعَ مَدَّ يَدَهُ وَاسْتَلَّ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذْنَهُ. 52فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! 53أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟ 54فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟».
لقد قال مقولته الشهيرة " رد سيفك ألى مكانه لأن كل الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون " كم من ضحايا للثأر ، العنف والعنف المضاد ، تمر أجيال على عائلات تحمل الثأر والكراهية وعدم السلام فى أفئدة أبنائها جيلآ بعد جيل ، ويمضى كل جيل بضحاياه من الجانبين ؟
أن السلام الذى من الله ، والسلام الذى يجب أن نصنعه للأخرين هو حكمة السماء لكسر دائرة العنف ، وتأكيدآ للأيمان بقوة الله وقدرته ، وتسليمآ للسلام الأجتماعى الذى يحكمه قانون المجتمع ، دون أفتئات على السلطات .
فالذى يؤمن أن الله قوى وقادر وعادل فليس عليه ألا أن يصنع السلام مع الآخر حتى لو كان عدوآ .
 أن الله هو الذى يحمى الأنسان وليس الأنسان هو الذى يحمى الله .
ولا ينقطع حديث الأنجيل عن السلام وصنعه والمحبة ، والدعوة لتنقية الذات من الكراهية والشر .
د.ق.جوزيف المنشاوى

السبت، 20 أغسطس 2011

نحو حوار دينى رشيد (1) المحبة


مقدمة

تأثر الحوار الدينى فى المجتمعات العربية ، بحالة الأحباط السياسى والمجتمعى والعسكرى بحيث تحولت ساحة الصراع من هذه الميادين ، لأيجاد لون من الصراع الدينى القائم على ممارسة الهجوم على الآخر ، أو فى أقل صورة له شراسة حين يتعمد القائم بالخطاب الدينى محاولة الوصول لنصرة مبادئه النوعية على حساب هزيمة الآخر ، وكأن ما فشل فيه الساسة ورجال المجتمع والجيوش العربية فى تحرير أرض مغتصبة بواسطة عدو داهية ، يكسبها الخطباء أرضآ متوهمة على المستوى الروحى والأنسانى تتمثل فى زيادة مساحة الولاء لمبادئهم الدينية على حساب الآخر
فما يسميه البعض " حوارآ بين الأديان " ما هو فى الواقع سوى لون من ألوان هذه الحرب المستعرة ،يسعى فيها كل طرف فى أظهار أفضال ديانته على حساب ذم الآخر ، لذلك أنا أدعو لأقامة لون جديد فى لغة الحوار الدينى ، يكون أساسه أستخراج ما هو جليل فى الأديان ، كل الأديان للوصول بالمواطن لأقصى أستفادة ممكنة من القيم الأخلاقية النبيلة التى تمكن المجتمع من الوصول للأستفادة المثلى من كل دين من الأديان
فالحوار - او بالحرى ما يسمونه حوارآ - ليس هو الطريق الأمثل لتمكين المجتمع من الوصول للسلام الأجتماعى الذى ننشده جميعآ
لأن الأديان تتحدث عن مطلق لا يتغير ، ولا يمكن له من التغير ألا بنقض الدين الذى يتمكن المحاور من أظهار مثالبه
أما الدين ( وهو يختلف فى مفهومه عن كلمة الأديان ) فقد أراد به المولى " سبحانه وتعالى" أن يوفر به للمجتمع حالة الأستقرار والسلام الأجتماعى ، وللوصول ألى تلك الغاية - دون الدخول فى فخ الصراعات التى يتحفز لأثارتها المتعصبون الذين يتخذون الأديان كساحة للصراع الفكرى - للوصول ألى تلك الغاية فأنى أدعو أحبائى وأخوتى فى الوطن ، بأن يدلى كل واحد منهم بدلوه ليستخرج من دينه الذى يؤمن به ، ما هو صالح للمجتمع والرقى به ، بعيدآ عن العبادات ، التى هى بالضرورة مثار خلاف ، وبعيدآ عن النسق الدوجماتيكى ( العقيدى الجامد ) لكى نسهم بتوفير مناخ من السلم الأجتماعى الذى ينعكس بالضرورة على التنمية الأخلاقية فى المجتمع العربى
فأنا حتى لو كنت أعلم الجوانب الأخلاقية المثالية فى أديان أخرى غير ديانتى لن أخوض بشرحها بل أتركها ليشرحها المتخصصون فيها من أبناء هذه الديانة ، وحتى لو كنت أعلم مثالب أخرى فلن أشير أليها ، لأن الهدف فى النهاية هو البناء لا الهدم ، الوفاق وليس الأختلاف ، فأنا فقط سأخرج ما لدى ، لكى تصبح الأديان فى المجتمع العربى باقة من الورود وليست حزمة من البارود
وأول تلك المقالات التى أقدمها هى  " الله محبة "
وأكرر أقتراحى لأى متخصص فى أديان أخرى غير ديانتى  المسيحية لكى يكتب مقالة أخرى تقدم للمجتمع وردة أو زهرة جميلة أخرى تضاف لتلك الباقة من ديانته
الله محبة
لم يجعل الله " سبحانه وتعالى " من الدين مصدرآ لشقاء الجنس البشرى ، بل على العكس من ذلك تمامآ ، فقد أراد به الخير للبشر أجمعين حتى أولئك الذين لم تنفتح عقولهم لأستيعاب هذا الدين أو رفضته أفئدتهم 
والله فى المسيحية يطلق على ذاته السامية صفة من الصفات الراقية ، فى صيغة لقب من ألقاب جلالته الذى تجتمع له كل مطلق من مطلقات الصفات النبيلة  ، فقد قدم لنا ذاته بوصفه " محبة " 8وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ (يوحنا الأولى 4 : 8 )
أن المحبة ( أى ) " الله " قد قدم للبشر الدين ليكون يسرآ ، لأجل تنظيم ألتزامات الأنسان نحو الله "سبحانه وتعالى " ،  ونحو البشر جميعهم من حوله ، ولذلك يقول"
20
إِنْ قَالَ أَحَدٌ:«إِنِّي أُحِبُّ اللهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟"( يوحنا الأولى 4 : 20 )
ولقد فسر المسيح معنى كلمة " أخ " أو" قريب " ألى آخر تلك التسميات التى تحض على التقارب الأنسانى والترابط البشرى - ذلك التقارب الذى يتعدى كل الصلات العرقية والأسرية والوطنية - فى أحدى أمثاله المعروف بأسم مثل " السامرى الصالح "، وهو عن رجل غريب الجنس ، مختلف فى الديانة ، جعلت المحبة التى تملكت قلبه ، فأثمرت فيه بالعمل الصالح ، فى مشاركة وجدانية حقيقية مع شخص مخالف له فى العرقية والجنسية والدين ، جعلت المحبة منه أخآ وقريبآ "وَإِذَا نَامُوسِيٌّ قَامَ يُجَرِّبُهُ قَائِلاً:«يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» 26فَقَالَ لَهُ:«مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟» 27فَأَجَابَ وَقَالَ:«تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ». 28فَقَالَ لَهُ:«بِالصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هذَا فَتَحْيَا». 29وَأَمَّا هُوَ فَإِذْ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ، قَاَلَ لِيَسُوعَ: «وَمَنْ هُوَ قَرِيبِي؟» 30فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «إِنْسَانٌ كَانَ نَازِلاً مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَرِيحَا، فَوَقَعَ بَيْنَ لُصُوصٍ، فَعَرَّوْهُ وَجَرَّحُوهُ، وَمَضَوْا وَتَرَكُوهُ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيْتٍ. 31فَعَرَضَ أَنَّ كَاهِنًا نَزَلَ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ، فَرَآهُ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. 32وَكَذلِكَ لاَوِيٌّ أَيْضًا، إِذْ صَارَ عِنْدَ الْمَكَانِ جَاءَ وَنَظَرَ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. 33وَلكِنَّ سَامِرِيًّا مُسَافِرًا جَاءَ إِلَيْهِ، وَلَمَّا رَآهُ تَحَنَّنَ، 34فَتَقَدَّمَ وَضَمَدَ جِرَاحَاتِهِ، وَصَبَّ عَلَيْهَا زَيْتًا وَخَمْرًا، وَأَرْكَبَهُ عَلَى دَابَّتِهِ، وَأَتَى بِهِ إِلَى فُنْدُق وَاعْتَنَى بِهِ. 35وَفِي الْغَدِ لَمَّا مَضَى أَخْرَجَ دِينَارَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا لِصَاحِبِ الْفُنْدُقِ، وَقَالَ لَهُ: اعْتَنِ بِهِ، وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ أَكْثَرَ فَعِنْدَ رُجُوعِي أُوفِيكَ. 36فَأَيَّ هؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ تَرَى صَارَ قَرِيبًا لِلَّذِي وَقَعَ بَيْنَ اللُّصُوصِ؟» 37فَقَالَ: «الَّذِي صَنَعَ مَعَهُ الرَّحْمَةَ». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاصْنَعْ هكَذَا». ( لوقا 10 : 25 - 37 )
ونلاحظ فى الخاتمة تعريفه لكلمة القريب بأنه الذى صنع معه الرحمة حتى لو كان مختلفآ معه فى الجنس والدين وغريب عن الديار
والواقع أن المسيح علم أتباعه فى الموعظة على الجبل كيف أنه عليهم أن يمارسوا المحبة حتى لأعدائهم ، أسوة بتلك الصفة الأصيلة الموجودة لدى الله " سبحانه وتعالى " «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. 44وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، 45لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. 46لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ 47وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟ 48فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ. ( متى 5 : 43 - 48 )
لقد
لقد حول البشر الله ، لصورة طاغية من طغاة الأرض ، يسلب البشر نقودهم وأموالهم ، ويقض مضاجعهم ، ويلهبهم بالسياط ، ويحملهم مالا يطيقون ، وهذا ليس صحيح فى الدين ، فليس هكذا يكون الله " سبحانه وتعالى "، بل هى صورة مفبركة يبتدعها المغرضون بلوى ذراع المعانى ، والتعلق بأقوال لم يكن القصد منها أطلاقآ ما يزعمونه لتأييد أغراضهم فى السيطرة على مقدرات البشر من دون الله " سبحانه وتعالى " ،
لقد سعى البشر بأبتداع فلسفات خادعة ، ألبسوها ثياب الدين ، فمنهم من ذهب لتصوير الله على أنه يرتضى بعزوف البشر عن الزواج ، والأندفاع نحو بعض التقاليد التى أطلقوا عليها زهدآ ، وهى تختلف عن الزهد الذى يعلنه الله فى دينه ، بل هو زهد كاذب ، قد سبق الله وحذر المؤمنين منه "
وَلكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحًا: إِنَّهُ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ، تَابِعِينَ أَرْوَاحًا مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ، 2فِي رِيَاءِ أَقْوَال كَاذِبَةٍ، مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ، 3مَانِعِينَ عَنِ الزِّوَاجِ، وَآمِرِينَ أَنْ يُمْتَنَعَ عَنْ أَطْعِمَةٍ قَدْ خَلَقَهَا اللهُ لِتُتَنَاوَلَ بِالشُّكْرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَعَارِفِي الْحَقِّ. 4لأَنَّ كُلَّ خَلِيقَةِ اللهِ جَيِّدَةٌ، وَلاَ يُرْفَضُ شَيْءٌ إِذَا أُخِذَ مَعَ الشُّكْرِ،( تيموثاوس الأولى 4 : 1 - 4 )
أن كل الصفات الفظة القاسية التى تعبر عن " اللامحبة " أو الكراهية هى من أختراع البشر ، وهى فى ذات الوقت يحذر الله منها الأنسان حتى لا يقع فى حبائلها  ، لئلا يضيف للبشرية شقاء بدل الخير الذى يريده سبحانه وتعالى بالعباد ،  وهكذا يصرح بصريح العبارة بما يلى،" فَلِمَاذَا كَأَنَّكُمْ عَائِشُونَ فِي الْعَالَمِ؟ تُفْرَضُ عَلَيْكُمْ فَرَائِضُ: 21«لاَ تَمَسَّ! وَلاَ تَذُقْ! وَلاَ تَجُسَّ!» 22الَّتِي هِيَ جَمِيعُهَا لِلْفَنَاءِ فِي الاسْتِعْمَالِ، حَسَبَ وَصَايَا وَتَعَالِيمِ النَّاسِ، 23الَّتِي لَهَا حِكَايَةُ حِكْمَةٍ، بِعِبَادَةٍ نَافِلَةٍ، وَتَوَاضُعٍ، وَقَهْرِ الْجَسَدِ، لَيْسَ بِقِيمَةٍ مَا مِنْ جِهَةِ إِشْبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ."(كولوسى2 : 20 - 23 )

لقد سعى أحد أنبياء الله فى العهد القديم ألى محاولة نيل رضى الله "سبحانه وتعالى" ، وكان يتسائل عما يمكن أن يرضى الله "جل جلاله" ، وقد وصل النبى فى رغبته لأرضاء الله لأقصى الدرجات الممكنة ، وغير الممكنة ، التى لا يستطيع بلوغها غير الأنبياء عندما تسائل "
6بِمَ أَتَقَدَّمُ إِلَى الرَّبِّ وَأَنْحَنِي لِلإِلهِ الْعَلِيِّ؟ هَلْ أَتَقَدَّمُ بِمُحْرَقَاتٍ، بِعُجُول أَبْنَاءِ سَنَةٍ؟ 7هَلْ يُسَرُّ الرَّبُّ بِأُلُوفِ الْكِبَاشِ، بِرِبَوَاتِ أَنْهَارِ زَيْتٍ؟ هَلْ أُعْطِي بِكْرِي عَنْ مَعْصِيَتِي، ثَمَرَةَ جَسَدِي عَنْ خَطِيَّةِ نَفْسِي؟( ميخا 6 : 6 ، 7 )   ---------فهل يرضى الله بتقديم الأنسان لثروة طائلة تتمثل فى أفضل ما ينتجه من العمل فى الأرض ، والذى يتمثل فى أفضل الغلات أو افضل الذبائح ، أو هل يمكن أن يرضيه أن يقدم أبنه ذبيحة كما عزم الخليل سيدنا أبراهيم "عليه السلام" عندما عزم على تحويل رؤياه لحدث واقعى بتقديم أبنه ذبيحة أو محرقة لله عز وجل ؟؟؟ أسئلة وردت على فكر النبى ، فماذا كانت أجابة الله "سبحانه وتعالى" ، يقول له المولى "جل وعلى": -  "8قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ، إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعًا مَعَ إِلهِكَ. ( ميخا 6 : 8 )
صنع الحق : - يعنى العدالة وأجتناب المظالم مع الجميع
والسلوك متواضعآ مع الله : -  يعنى أن يدرك الأنسان أنه مخلوق أمام الله الخالق ، ويعرف يقينآ أن كافة ما يتمتع به من أمكانيات هى لا شىء بالنسبة لقدرة الله وأمكانياته الأزلية الأبدية السرمدية الفائقة فيتضع قدامه
أما حب الرحمة : -  فهو جوهر الوصية وهدفها الأصيل ، فهو سبحانه لم يقل " صنع الرحمة " بل قال " حب الرحمة " فأن كنت تصنع الرحمة أو الخير أو المحبة التى تقدمها للناس لأن ذلك واجبآ عليك ، فهذا ليس " حبآ للرحمة " وأنما "صنعآ للرحمة" ، وحتى لو كنت تبغى بها أرضاء الله سبحانه وتعالى فأنت تسعى للحصول على مقابل منه فليس ذلك "حبآ" للرحمة بل "صنعآ" لها
أنى أحب الرب لا    لأربح النعيم
ولا لكى أنجو من ال   عذاب فى الجحيم
لكن أحبه لأن   لى حبه يحلو
وهو الذى من فضله   أحبنى قبل
فتصنع الرحمة لأنك تحب صنيعها ، فالرحمة حب ، فليتك تحب الحب ، لأن الله " محبة "
د . ق . جوزيف المنشاوى