السبت، 27 أغسطس 2011

نحو حوار دينى رشيد (3) الفرح

فى مجتمعاتنا العربية يرسم الفرد التجهم على ناصية وجهه فى البيت وفى الشارع وفى العمل حتى فى العبادة ، وعندما يتحدث عن الله عز وجل ، تجد أمارات وجهة قد صارت أشد صرامة من ذ ى قبل ، فلوتصادف أن نظر طفل فى عيونه الجاحظة التى تنطق بالشر وبالحنق وبالثأر من أى عدو يتوهمه ، لصرخ الطفل هلعآ من ذلك الذى يتوعد البشرية بالويل والثبور وعظائم الأمور ، حتى لو كان كلامه غير مدرك لعقله الصغير ، وهو يتكلم عن الله ، وربما يذهب هذا الشخص المريض لأبعد من ذلك أظهارآ لساديته أى لرغبته فى أيلام الآخرين ، بأظهار نفسه مهلهلآ ، يرتدى ما يدعو الآخرين على الأكتئاب والضجر ، ويرفع صوته المنفر أو تسجيل الصوت بأصوات هادرة ثاقبة للأذن ، ولسوء طالع هذه الأمة زاد عدد التوك توك الذى يوزع ألوان النشاذ فى الصوت بألحان وأصوات منكرة وموسيقى تشبه طرق الحديد ، لا جمال فيها يشرح القلوب ، ولا مغزى لها سوى نزع الفرح من أفئدة خلق الله .
ويقول الأنجيل عن المسيح فى الأنجيل بحسب مرقس 10 : 13 - 16 "وَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَوْلاَدًا لِكَيْ يَلْمِسَهُمْ. وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ فَانْتَهَرُوا الَّذِينَ قَدَّمُوهُمْ. 14فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ ذلِكَ اغْتَاظَ وَقَالَ لَهُمْ:«دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ. 15اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ». 16فَاحْتَضَنَهُمْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَبَارَكَهُمْ.
لم يكن فظآ غليظ القلب ، بل عندما أنصرفت الجموع من الكبار الذين سمعوا حديثه ، ألتف حوله الأطفال فرحين بحضوره ، فانبرى بعض من حوارييه لطردهم ، جريآ على عادة الشرق بأن الغلظة هى الطريق للهيبة والوقار فقال لهم بكل وداعة " دعوا الأولاد يأتون ألى ، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات " ، " من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله "
لقد كان يريد من الكبار أن يتعلموا كيف يبتسمون مثل الأطفال الذين لا يعبأون بمشاكل وتعقيدات الحياة ، كيف يتمكنون من تبسيط نمط حياتهم كبساطة الأطفال ، لكى تكون للكبار الحياة الأفضل التى لأجلها جاء هو لكى تصير الحياة الأفضل للبشر .
ومن بين المحاذير التى يحذر الكتاب منها المؤمنين أن يهتموا بعدم التشبه بالأشرار الذين هم " بلا حنو بلا رضى  ثالبين عديمى النزاهة شرسين غير محبين للصلاح  تيموثاوس الأولى 3 : 3 ".
والواقع فأن "عدم الرضا" هو سر التعاسة والشقاء الذى ترتسم  تجاعيده على وجوه من يظنون أنه بشراسة وجوهم يعلنون الحق ، مع أنهم بذلك يجعلون الناس تنفر منه وتكرهه .
فهو يتحدث عن الصفات التى يجب أن تتوفر فى المؤمنين فيقول " أما ثمر الروح فهو "محبة"" فرح"" سلام"" طول أناة"" لطف"" صلاح"" وداعة"" تعفف" ضد أمثال هذه ليس ناموس غلاطيه 5 : 22 "
وكان قد سبق فى العدد 19 بنفس الشاهد السابق ليتحدث عن الصفات المرفوضة فيقول "زنى"" عهارة"" نجاسة"" دعارة"" عبادة الأوثان"" سحر"" عداوة"" خصام" "غيرة"" سخط"" تحزب"" شقاق"" بدعة" " حسد"" قتل"" سكر"" بطر" وأمثال هذه التى أسبق فأقول لكم عنها كما سبقت فقلت أيضآ أن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله " وكانت الكنيسة الأولى تطلق على ال17 صفة الأخيرة تلك ، أسم الخطايا المميتة ..

والذى تلاحظه أنه يأتينا بفضيلة واحدة وهى " الفرح "  فى مقابل سبعة خطايا مميتة هى العداوة ، الخصام ، الغيرة ، السخط ، التحزب ، الشقاق ، والبطر هذه الخطايا السبع تستطيع فضيلة "الفرح" من أزالتها من جذورها.
الفرح لا يستطيع الأنسان أن يخلقه لذاته ، ألا أذا تحلى بالقناعة والأقتناع
القناعة بما قسمه الله لك ، وبم تحليت به من صفات خلاقة تجتهد فيها لتنال فرحآ أعظم.
والأقتناع بالأيمان بأن الله قادر على كل شىء وأنه يستطيع أن يعطيك ما تحتاجه فى الحقيقة بحسب تقديره هو .
وقد قال فى أشعياء 61 : 10 - 11 "
فَرَحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ، مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا. 11لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الأَرْضَ تُخْرِجُ نَبَاتَهَا، وَكَمَا أَنَّ الْجَنَّةَ تُنْبِتُ مَزْرُوعَاتِهَا، هكَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ يُنْبِتُ بِرًّا وَتَسْبِيحًا أَمَامَ كُلِّ الأُمَمِ".
كما قال فى فيلبى 4 : 4 - 7 "
اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا. 5لِيَكُنْ حِلْمُكُمْ مَعْرُوفًا عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ. اَلرَّبُّ قَرِيبٌ. 6لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ. 7وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ".
الفرح أذآ هو الفريضة الغائبة عن المجتمع اليوم ، وهو سر الكثير من الأنحطاط العقلى والنفسى الذى أصيب به المجتمع المعاصر ، فقد تجد هرجآ ومرجآ فى مكان ما ، لمن يتمثلون الفرح ، فتجدهم يضحكون ، وترتفع أصوات الضحكات مجلجلة فى الأفاق ، لكنك لو أنعمت النظر ألى وجوههم ، وحركاتهم العصبية فسوف تدرك أن رقصهم أنما هو تلوى من الألم ، يضحكون على أنفسهم ، يتصيدون الفرح ، لكنه بعيد عن شباكهم ، لأن الفرح والرضى والقناعة والأقتناع أبعد ما يكون عن تلك الوجوه التعسة.
فبعدما تنتهى الحفلات وينفض المطبلون والمزمرون يخلو كل واحد منهم ألى نفسه ، فيهاجمه الأكتئاب ، فلم يكن ضحكه فرحآ ولا تصفيقه أشادة بهذا الفرح ولا رقصه تفاعلآ مع هذا الفرح .
لأن قلبه يخلو من الفرح .


د.ق.جوزيف المنشاوى

ليست هناك تعليقات: