الأحد، 5 فبراير 2012

السلفية

السلفيةًُ هى عَرَضٌ نفسى فكرى أيديولوجى يميز كل أصحاب الأديان والفلسفات على مر العصور ، سواء كان هذا التوجه السلفى طارىء مؤقت أم عقيدة وتوجه مستمر ، والسلفية فى اللغة هى العودة لتتبع السلف والأقتداء بمنهجهم الفكرى .- - -
الصورة الأولى لسلفية يهودية والصورة الثانية لسلفى يهودى ويطلق على هؤلاء فى المجتمع اليهودى أسم اليهود الأرثوذكس

-
- - -
الصورة الأولى لسلفيات مسلمات يمارسن دورهن فى خدمة المجتمع والصورة الثانية لسلفيون مسلمون أثناء مشاوراتهم .

-
- - -
عند بداية بزوغ عهد الحرية للمسيحيين بعد عصور الأضطهاد : الصورة الأولى للملكة هيلانة والدة الأمبراطور قسطنطين ويلاحظ الشبه بين ملابسها وملابس الراهبات ، والصورة الثانية هى لرؤساء الكنائس عند أجتماعهم فى نيقية 325 ميلادية ويلاحظ أرتدائهم ملابس الملوك وبينهم يحضر قسطنطين الأمبراطور بنفسه. 
والواقع فأن تاريخ الفكر الأنسانى يوضح لنا كيف أن السلفية لم تكن قاصرة على أصحاب الديانات ، بل أمتدت لأصحاب المبادىء الفكرية الفلسفية ، وهذا ما نجده بين الجماعات التى تنتشر فى أوروبا تحت مسمى النازيون الجدد الذين يسعون لأحياء فلسفة النازى ، على مستوى فكرى أو آخر ، وقد صاحب تطور الفكر الماركسى الألحادى بعد أنقسامه بين المدارس المختلفة من خلال فكر لينين وستالين وماوتسى تونغ ...ألخ أن كانت هناك فئات تحاول العودة بالفكر الماركسى ألى ما يتصورون أنه يرتد بالخلف لعصر ماركس نفسه . وهكذا تبدو السلفية أمامنا كظاهرة أنسانية بشرية
قد تحدث لأى فرد من الأفراد ذوى المعتقدات فى أى فترة من فترات حياته وقد تكون فترة عابرة ، تحدث عندما يصل الفرد لقناعة شخصية بأن الفكر الذى يمارس فى العصر الحاضر لم يعد يلبى حاجاته ، فيذهب للتنقيب عن الجذور الفكرية التى ينتمى أليها لعله يجد فى تلك الجذور ما يؤدى لأشباع حاجته الفكرية .
فمن منا لم يتعرض فى فترة ما ، أو فى موقف ما لسؤال يدور فى أعماقه يدفعه للأرتداد الفكرى للجذور ؟؟؟
وهذه المواقف المؤقته هى فرز طبيعى للفكر البشرى فى كل مكان وفى كل العصور وعند أصحاب كل المعتقدات ، ولكن ---------
عندما يتخطى هذا التوجه الفردى للبحث عن الجذور الفكرية والشكلية للمعتقد ، ليكون توجهآ جماعيآ ، فهذا يعبر عن شيوع الحيرة والرفض للتفسير المعاصر للفكر وهو لا ينتاب الأمة ألا بسبب عَرَضٌ عام أصاب الأمة بأثرها ، ولا سيما عندما يتعرضص الفكر كمنظومة لهجوم مجتمعى حاد أو لخطر عالمى محدق .
واليهودية بوصفها أول الديانات الأبراهيمية التى حظيت بأعتراف كامل بمصداقية نبوة النبى موسى ووحيه المتمثل فى التوراة ، من كل أصحاب الديانات الأبراهيمية التالية ، حتى ان المسيحية تتبنى كافة الأقوال التى وردت فى نبوته ، بنفس نصه الذى لا يزال يعرفه اليهود اليوم ، لكن اليهود وبالرغم من أقامتهم قبل فلسطين فى بلاد أوروبية وأمريكية وعربية ، وكلها بلدان تسود فيها الديانات المسيحية أو الأسلامية فى البلدان العربية ، فمن الناحية النظرية البحتة فأنه كان يًفترضُ ألآ يسودهم كأمة خوفآ على فكرهم الدينى ، ولكن هذا الأفتراض نظرى بحت ، لأن الخوف على دينهم كان مرتبط بالخوف على أحلامهم القومية فى تطبيق الأيديولوجية المستقبلية لأمتهم ، عند تحقيق حلمهم الأيدولوجى الذى تُصوره لهم كتب تقليدِهم ، تلك الكتب التى كتبها أبائهم ، وهى تختلف عن الوحى فى كونها مجرد تفسير وتأويل بشرى أنسانى ليست له أى مصداقية دينية ، ولكنها صارت مصداقية ممسوحة ومرتدية لعباءة الدين ، فولدت اليهودية الأرثوذكسية أو الأصولية .
ويتضح ذلك من أطلاق الرجال لذقونهم ، وأسدال النساء للخمار على وجههن والغطاء على رؤوسهن ، أن هناك سعيآ حثيثآ للعودة ألى الوراء - حتى بالنسبة للمظهر - إلى عصور الأولين الذين دونوا هذه الكتابات .
تلك الكتابات التى مثلت بالنسبة لهم طوق للنجاة من وحش العصرية الضارى الذى يلتهِِمُ آمالَهم وأحلامِهم بخصوص موطنٍ تحكمه التوجهات الثيؤقراطية التى تشعرهم بسمو المكانة بينما ينظر أليهم المجتمع المثقف فى مختلف بقاع الأرض بنظرة دونية قام بتغذيتها الفكر الليبرالى الذى لا يٌقّيّم الفرد بأنتمائه الدينى ، وأنما بما يحمله من فكر خلاق نافع للمجتمع ككل بغض النظر عن الأنتماءات المذهبية .
وعندما أنتشر الأسلام فى ربوع الشرق ووصل حتى أسبانيا ، وأختبر المسيحيون فى أوروبا خطر التهديد الأيدولوجى والفكرى لمنطق العرب الوافدون من الصحراء ، ولم يكن أهل أوروبا فقط يشعرون بهذا التهديد ، بل كان المسيحيون فى داخل البلدان الشرقية التى آلت لقبضة العرب يشتركون فى هذا الشعور بالتهديد ، عند ذلك الزمن توقفت عقارب الساعة بالنسبة لهؤلاء وعادوا للأسلاف ولا سيما الذين عاشوا فى أوج مجد الفكر المسيحى ، فظل رجال الدين يرتدون ملابس ذلك العصر الرومانى ، ربما لأنها عودة للسلف شكلآ وموضوعآ . ولكن الذى ميز تلك السلفية المسيحية أنها لم يكن لها أنتشار مجتمعى كافٍ بحيث لم يتبعها من ناحية الشكل غير رجال الأكليروس بينما أنتمى العلمانيون من الشعب للشكل المعاصر الذى كانت تفؤرضه ظروف الحداثة ، ولكن هذا لا ينفى أنتماء الكثير من هؤلاء لمنطق السلفية كفكر وعقيدة .
وكان من فضل عصر النهضة الأوروبية بداية عصر الأصلاح الكنسى بعدما توجه المصلحون للتفكير فى الفكر المسيحى بعيدآ عن الوحش الذى توهمته البابوية فخلصت الفكر الكنسى من الكثير مما ألم به من عثرات أصابته على مر الزمن وجعلت منه فكرآ قابلآ للتطبيق مع تقدم العصور ، وبذلك تخلص الكثيرون ليس فقط من الشكل السلفى ولكن كان هذا الخلاص يشمل الموضوع
كذلك ، وكان أنتشار هذا الفكر الأصلاحى فى كل مكان فى العالم بما فيه من بلدان عربية كذلك هو الوقاية الحقيقية المؤثرة على المجتمع المسيحى حتى بين أولئك الذين لديهم ميول فكرية سلفية .
والذى أعان المسيحية فى هذا المضمار هو أبتعاد النص المقدس الكتابى عن أية شبهة تدعو للعودة للوراء لشريعة مكتوبة ومسجلة فى النص ، يكون من شأنها ربط المسيحى بتقنين أو تشريع يجعل من الحق أو الحقيقة شىء جامد يرتبط بالظروف المجتمعية التى كانت سائدة عند أهل السلف .
وأرى بحكم تخصصى أنها كانت حكمة الوحى التى أدت للمساعدة على مواكبة المسيحية لمختلف العصور ومختلف الأماكن ، لا تجد تناقضآ بين القانون الوضعى الذى يهدف للوصول بالمجتمع للعدالة المُثلى القابلة للتطبيق وفق التغيرات التى تطرأ بالضرورة على كل المجتمعات .
ولعل خطر الحضارة الغربية والصدام الأيدولوجى مع التقدم التكنولوجى هو سبب الخوف المجتمعى الذى دعا بعض المجتمعات العربية لتبنى جماعات الفكر السلفى ، وخاصة عندما تصطدم الحضارة مع النص المقدس ، فهل هناك فكر قادم يستطيع أن ينزع هذا الخوف ، ويحًلّ مشكلة تعارض النص مع العصر ؟ للعودة بهذه المجتمعات لمواكبة التقدم الذى يتسارع بصورة غير معتادة عبر القرون الماضية لينقذ الفكر العربى من الجمود ؟

د.ق. جوزيف المنشاوى

ليست هناك تعليقات: